2017/02/08

صراع بقاءك وزحام شوقك المشتت

أحمد يونس - أوكرانيا
على قارعة أعمارنا المليئة بضجر الأحداث، ثمة زاويتين اثنتين قد بان بهما أمل ما، واحدة أجبرتك فيها الأقدار على إبصار دنيانا المبجلة بخطيئة أبوينا، تزاحمتَ ملهفاً لتحجز حيزك في بقعة ما بإحدى مشافِ هذا الخراب الجميل، و دفعتَ بثقلك على عجلٍ كي تتخلص من ضيق ما كنت به، هذا ما أُلهمتَ بفعله وأنت على بُعد دقائق من مشاطرة محيط جديد أوسع قليلاً من سابقه، بعد أن قُطعت وسيلة اتصالك الوحيدة ولُففتَ بملابسك المخصصة لحجمك شرعت بصراخك الغريب، فِطرتك وحنينك الجامح لكيانك أجبرك على بكاءك، ولكن هنا فقط أدركتَ استحالة ما تتمنى فللأسف لم يجبك أحد.

زاوية ثانية تترقبها في صمت وانتظار، تتجلى فيك الآن حضرة المكتفئ بصخب الذكريات وفوضى الوقائع الحافلة بتوقيعك، وتغازل ما تبقى من عافيتك وحواسك متأهباً في دفاعك عن حب الحياة، وقد ارتسمت على محياك ابتسامة الحالم بخاتمة هادئة، لا تقوَ على شيء البتة وعليك نداء أحد ما ليُجِبك، ويطعمك، ويُلبسك، ويحملك لتقضِ حاجتك، الآن أيضاً حرمت وسيلة اتصالك وغاب عنك رفاقك سَبْقاً نحو السماء، فيما لا تزال فيك الشعلة متقدة بخجل شديد، وعلى غفلة منك يأتيك نداء السماء فترحل بتواضعك وصمتك.

زاويتين اثنتين تنتاب أعمارنا الهشة وزمننا المفعم بكاهل اليأس، مراسمنا المتلونة على جبين اللحظات العابرة تشير إلى سفه ما نعيش له، وتجاعيدنا القاسية تكشف أثر ما مررنا به وسوء ما حلمنا يوماً ببقاءه.

تجربة الصراع للبقاء حياً ما تزال تراود أفكارك، وسعيك الدؤوب للشفاء من عللك يوحي بذلك، وفجوات عمرك المتكررة التي ما زلت تجتهد في ردمها تكشف سر دواخلك بالسعي نحو النور، وسفرٍ وحبٍ ونومٍ وكتابة وغناء .. ذلك كله يقسم عليك بالاستمرار في لهوك هذا.

ثمة شوق يزاحم أوقاتك المعدودة، وثمة قبضة في قلبك تنازع فيك راحتك، وبداخلك حرب وسجال ونزال وقتال، في داخلك شتات أيامك المتناثر هنا وهناك، وعلى جبينك حُفرت أجمل هفواتك الرثة وقتما كنتَ بعمر الزهور. كنتَ تلون لوحتك الأخيرة بدمك، اجتهدْتَ بدورك في الرسم بلونك المفضل، "إنها الأخيرة .. أقسم أنها كذلك .. دعوني أكملُها ثم أستقيلُ من الفن" صرختَ بأعلى صوتك علَّهم يعطونك متَّسعاً قبل الرحيل، في غرفةٍ تحت اليابسة زُجَّ بك وبثقلك الهزيل، كان قد مر عليكَ هناك قرابة تسعمئة ليلة، فيما تجرُّكَ اليقظة خارجاً ويستقبلك صغارك الجوعى بروحك.

عن وداعتك وجفاءك كانت ثورتك قد راوحت مكانها، وتلاشت قُبَلكَ الحارة في صقيع "سانت" بعد العام الثاني لنشأة توأمك، تخطّيتَ يومك .. بكيتَ .. نمتَ .. واستيقظتَ على بعثٍ آخر تتجاهل فيه ظلاميتك وصحراءك الملأى بحرارة ما في قلبك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق