2017/02/11

"أوكرانيا" ضحية ترمب الأولى



 

أحمد يونس – أوكرانيا

بعد اتصال تليفوني هو الأول بين ترمب ونظيره الأوكراني بيترو بوروشينكو وبعبارات مقتضبة خرج بيان الرئاسة الأمريكية ليتحدث عن نية الولايات المتحدة العمل مع أوكرانيا وروسيا وسائر الأطراف المعنية "كما سماها البيان" من أجل إعادة السلام على طول الحدود، المتابع للأزمة الأوكرانية والتي عادت مرة أخرى للإعلام بعد تجدد القصف المدفعي قرب أفدييفكا –البلدة الاستراتيجية الواقعة على خط الهدنة- يدرك بما لا يدع مجالاً للشك بتغير واضح في سياسة واشنطن تجاه الملف الأوكراني، وإن كان ترمب قد غازل بوروشينكو بكلمات أراد من خلالها طمأنته على دعم بلاده لأوكرانيا، إلا أن الموقف الجديد ونبرة التصريحات الأمريكية لا ترقى لمستوى الحليف المساند للطرف الأوكراني في صراعه على وحدة أراضيه.

مواقف ترمب قبل انتخابه رئيساً
ترمب الذي لم يُبدِ آراءه بشكل جلي في كثير من القضايا الشائكة حول العالم، أخطأ في إحدى تجمعات مناصريه خلال حملته الانتخابية عندما تحدث عن روسية القرم، الأمر الذي بعث الخوف في نفوس الأوكرانيين من مواقف ترمب المقبلة، في الواقع ترمب لم يُدرك وقتها مدى تشابك القضية وتعقيدها لا سيما وأن للولايات المتحدة أوراق عديدة يمكن لعبها في الساحة الأوكرانية، كما لا نغفل إشارته غير مرة بأنه من الجيد ترك أوكرانيا لتواجه مصيرها منادياً بإيقاف استنفاد الدعم الأمريكي في سبيل تعزيز أمن البدان الأوروبية الصديقة.

كانت هواجس الأوكرانيين تزداد يوماً بعد يوم من مخاطر محققة كون الولايات المتحدة تنتظر استحقاقاً انتخابياً قريباً ربما يفقدها الحليف الأقوى في صراعها مع روسيا، وكانت أبرز تجليات ذلك الخوف بعد تسريب صحيفة «وول ستريت جورنال» لمعلومات وصلتها من داخل حلف الناتو، تتعلق بنية الحلف تعليق المفاوضات مع كييف بشأن إشراكها في الدرع الصاروخي الأوروبي خوفاً من رد فعلٍ روسيٍ سلبي، كل ذلك اضطر قادة أوكرانيا إلى مواصلة الحوار الجاد مع الأوروبيين في سبيل تأمين أكبر قدر ممكن من الحلفاء تأهباً للقادم.

كانت ليتوانيا وبولندا وبلجيكا توجه دعمها المالي والعسكري بسخاء للطرف الأوكراني في مواجهة تمدد النفوذ الروسي المتعاظم شيئاً فشيئاً، فيما واصلت إدارة أوباما إرسال المستشارين العسكريين للتأكد من لياقة وكفاءة القوات العسكرية الأوكرانية في سباق مع الزمن قبل مفاجآت الصناديق الانتخابية.

فوز ترمب المفاجئ
ما أن أُعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية بفوز دونالد ترمب حتى أصيب قادة كييف بما لا يدع مجالاً للشك بالقلق، كانت كل أخبار الرجل تشير إلى تقرّبه من الكرملين ومن صداقته ببوتين، ناهيك عن صراحته في مواجهة الارهاب بالتعاون مع روسيا والذي يعني بالطبع تقديمه عدة ملفات كبيرة قرباناً لتحسين هذه العلاقة، فأوكرانيا وسوريا وإيران وكوريا الشمالية كلها ملفات ساخنة تؤرق ترمب وعليه أن يتخلى عن بعضها في الفترة الحالية ليتفرغ لإدارة شؤونه الداخلية كما وعد مواطنيه في حملته الانتخابية.
خريطة تبين خط المواجهات شرق أوكرانيا

وبلا سابق إنذار يجلس في المكتب البيضاوي رجل متهور، معتل المزاج ومجازف وصريح بشكل كبير –كما يحلو للإعلام الأمريكي تسميته-، كل تلك السمات جعلت منه شخصية غير محمودة التصرفات، ما حذا بالرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو إلى مهاتفته وملاطفته في اتصال قاربت مدته الساعة، لكن على ما يبدو فإن بوروشينكو لم يسعده برودة الموقف الأمريكي تجاه بلاده وهذا ما فسره محللون كثر إلى المسوغ الذي أجج أتون الاشتباكات والقصف الأخير قرب بلدة "أفدييفكا" الاستراتيجية، حيث رأى متابعون للأزمة أن كييف أرادت اختبار ردة الفعل الأمريكية والروسية على السواء، وأملاً في تذكير ترمب وموسكو بأن القضية يجب أن تعود للواجهة وعليكما أن تحذرا الالتقاء على حسابنا.

إيران مقابل أوكرانيا
نقلت «وول ستريت جورنال» عن مصدر في البيت الأبيض أن إدارة الرئيس ترمب تبحث عن طريقة لتقويض التعاون السياسي والعسكري بين روسيا وإيران. ولكن ووفقا لما يراه محللون فإن تقويض التعاون الروسي الإيراني أمر صعب وأن هذا الأمر يتطلب تنازلات كبيرة من طرف واشنطن، وفي حال تقليص الكرملين توريد الأسلحة لإيران، فإن هذا على الأرجح يعني أن موسكو تنتظر تخفيف العقوبات.
في حين أن خبراء آخرين يرون أن مقايضة العلاقات الروسية مع إيران برفع العقوبات عن موسكو – قليلة الاحتمال- لأسباب أهمها أن واشنطن استنفدت ما في جعبتها من عقوبات، لكنها لم تنل أي تنازل من قبل موسكو، وحتى الإدارة الأمريكية السابقة اعترفت بانهيار سياسة العقوبات التي فرضتها على روسيا وبالتالي، فمن غير المرجح أن يُقدم الكرملين على مقايضة تعاونه المربح مع طهران "بورقة خاسرة" في السياسة الأمريكية.

جهود عسكرية أوكرانية
بالتزامن مع المحاولات السياسية التي يخوضها قادة كييف ممثلة بالرئيس وحكومته، دأبت مصانع الجيش الأوكراني على تحسين المنتوجات العسكرية وتطوير أداءها في سباق مع الزمن، مناورات جوية أجرتها في سماء "خيرسون" جنوب البلاد على الحدود الملاصقة لشبه جزيرة القرم –المحتلة- تخللها تجارب على أنظمة صواريخ (بوك-إم-81) المضادة للطائرات، سبقها إعلان بوروشينكو عن تقديره وفخره بمهندسي وزارة الدفاع بعد تطوير عدة صواريخ جديدة دخلت الخدمة لسلاح الجو الأوكراني من عيار -57 ملم- صممت بغية تدمير الأهداف الأرضية.

وعود ترمب بحل الصراع
ترمب توعد بالعمل للمساعدة بإعادة السلام على طول الحدود الأوكرانية، ولكن حتى اللحظة لم يتمكن الطرف الأوكراني من إدراك ماهية الخطط المقبلة التي قد تسوقها الإدارة الأمريكية الجديدة، وليست لديها أدنى تصور عن أولويات ترمب ومساعديه فيما يتعلق بالنزاع شرقي البلاد، كما لا يستطيعون أن يقطعوا الشك باليقين بوقوف واشنطن لتأييد الحقوق الأوكرانية المتمثلة في استعادة كامل السيطرة على المناطق التي أُعلنت فيها حكومات مستقلة –من طرف واحد-، كما وأن شبه جزيرة القرم ستبقى تمثل بالنسبة للأوكرانيين معضلة حقيقية في هويتهم الوطنية وانتماءهم لوحدتهم الجغرافية التي تعرضت على حين غرة للسلب بقوة السلاح وعلى مرأى ومسمع من العالم.

في النهاية ترمب سيجد نفسه مضطراً لمصارحة الروس بإحدى اثنتين، إما أنه يعترف بأوكرانية القرم قطعاً ويطالب موسكو بإعادتها لوحدة أوكرانيا، وإما أن يصعق الأوروبيين قبل الأوكرانيين ويعترف بروسية القرم، وذلك على الأرجح لن يكون إلا بصفقة وطبخة مدروسة يتقاسمها مع موسكو. 

وذلك إن تم فإنه بلا شك سيقضي على أحلام الأوكرانيين في تحقيق أهدافهم باستعادة أراضيهم المحتلة، وربما تدخل المنطقة برمتها في أتون نزاع آخر أشد وطئاً من أوله، تُزهق فيه أرواحُ أبرياء آخرين، وتستمر معها معاناة الآلاف من الأسر الأوكرانية التي هُجرت من بيوتها وتلك التي تشتت وأمست بلا مستقبل، سريعاً ما سنجد تخبطاً لدى قادة كييف السياسيين –وبالمناسبة هم كذلك-، تدخل على إثره البلاد في نفق مظلم اقتصادياً وسياسياً ودستورياً، وربما على أسوأ تقدير قد نشهد ميداناً أوروبياً ثانياً، وحرباً أهليةً لطالما روّج الإعلام الروسي على وجودها، بانياً فرضيته على عدم تجانس عرقيات الشعب الأوكراني شرقه وغربه –الناطقين بالروسية والأوكرانية-. 

كثيرٌ من التحديات والعوائق والفرضيات ستواجه أوكرانيا –الدولة المنهارة اقتصادياً-، وعلى إثر قرارات ترمب وتصرفاته في المستقبل ربما تندلع المأساة من جديد، وربما أيضاً يفاجئ الجميع وينشر السلام -على الطريقة الأمريكية- ويضع حداً للنزاع المستمر منذ 3 سنوات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق