2017/01/29

أوكرانيا .. و مشاكل الطبقات المتوسطة !!


 
تظاهرات وسط العاصمة -كييف-
أحمد يونس - أوكرانيا (نُشرت بتاريخ 24 مايو 2012)


ربما يتبادر في ذهن القارئ للوهلة الأولى الدهشة كون المقال سيتحدث عن فقراء ومتسولين في مجتمع غربي ، ولكن هذا هو الواقع حيث أن نسب الفقر في بلد نامي كأوكرانيا* أصبحت تدق ناقوس الخطر للمسؤولين في الدولة ، والأرقام التي تصدرها منظمة حقوق الإنسان الدولية - هيومن رايتس ووتش - تثبت صحة ما أقول . حيث أشارت في تقريرها الصادر سنة 2011 أن ربع سكان أوكرانيا يعتبرون أنفسهم في عداد الفقراء ، وهذا سببه انخفاض مستويات المعيشة والاضطهاد السياسي للمعارضة والمنظمات الاجتماعية فضلاً عن تهميش وعدم استقلالية السلطة القضائية ( بحسب هيومن رايتس ووتش ) .

ولعلي هنا أشير لجوانب متنوعة عايشتها وشاهدتها خلال فترة وجودي في هذا البلد الغربي ، ومن تلك الجوانب : ( زيادة الضرائب ، عدم توفير متوسط الراتب المعقول للموظفين ، تناسي كبار السن والعجزة ، عدم الاستغلال الامثل للموارد والثروات الضخمة ، الارتفاع الحاد في قيم السلع والخدمات للمواطنين ، عدم توفر الرعاية الصحية الكافية والضمان الاجتماعي ، المشاكل الاجتماعية والحوادث الجنائية ...الخ ) ربما هذا ما استطعت ان الحظه والمسه خلال اختلاطي بالشعب الاوكراني ، فجميع ما ذكرته من جوانب يؤثر بشكل أساسي على حياة الفرد والأسرة الأوكرانية بل ويجعلها من الاسر الفقيرة والمحتاجة ، فزيادة الضرائب وعدم الموازنة بين الاحتياجات والمتطلبات يجعل الأوكراني في خطر حقيقي على أسرته ومستقبلها حيث لا يمكنه توفير ما بلزمه من مسكن ومأكل وملبس ومصروفات اسرته بدون ان يكون راتبه كافٍ لقضاء ضرورات بقاءه .


أما بالنسبة لكبار السن والعجزة فهذا جانب آخر من جوانب النسيان والألم بنفس الوقت ، فعندما تركب الحافلة متجهاً لجامعتك أو وظيفتك تلاحظ بشكل جلي أعداداً من كبار السن والعجزة يكابدون نهارهم بجدٍ من أجل تحصيل لقمة العيش ومجابهة تحديات الزمن ، ترى تجاعيد وجوههم قد أخذ منها الزمن ما أخذ وأخفى ما كان يملكه ذلك الإنسان من جمال قوقازي وبشرة بيضاء جميلة ، معظم تلك الناس يعملون بوظائف منوعة كـ السكك الحديدية ، البلديات ، الاتصالات ، مناجم الفحم ، اجهزة الامن والشرطة ، الحراسة ...الخ ) ورغم أن جميع هذه المهن وغيرها محترمة ومقدّرة إلا أن المشاهِد يسئمه أن يرى كبار السن والعجزة وقد أوشكوا على الموت يجبرون على العمل بهذا الشكل .

وفي جانب الموارد والثروات التي تتمتع بها أوكرانيا فمعروف أنها من
أهم الدول الأوروبية نقلا للغاز و البترول فهي جسرُ بين سوق الاتحاد الأوروبي الضخم و سوق روسيا الاتحادية التي تعد من أسرع أسواق العالم نموا. كما تمتلك أوكرانيا 30 % من التربة السوداء في العالم مما جعلها تحتل المركز الرابع في لائحة مصدري الحبوب الرئيسيين في العالم بعد الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و كندا ، كما صنفّت في الموقع السادس في تصدير القمح عالمياً ، كما هي المورّد الثالث للذرة في العالم متجاوزة البرازيل وواقفة بالقرب من الولايات المتحدة و الأرجنتين.. وناهيك عن الثروة من عوائد السياحة ودراسة الأجانب والبطولات الكروية ...الخ . كل ذلك وغيره يجعل أوكرانيا ذات مكانة مرموقة من حيث المقومات الاقتصادية ،إلا أنها للأسف لا تستغل كل ذلك بحيث يحقق الفائدة للمواطن والدولة .. ومن ينتفع بعوائدها هم رجال الأعمال ورؤوس الأموال وأصحاب النفوذ .


وفي جانب الرعاية الصحية والعناية الطبية حديث يطول ، فالمستشفيات الموجودة مبنية منذ حقبة الثمانينات والأسرّة المتوفّرة قديمة ومكان نوم المرضى لا يكاد يرقى لسبل السلامة الصحية ، ناهيك عن التآكلات المتواصلة في هياكل المشافي وغرفها والتي ما فتئت الدولة ترممها وتعيد رونقها بشكل خارجي فقط . أما الضمان أو التأمين الاجتماعي الذي تعطيه الدولة لمستحقيه من الأسر المسحوقة أو كبار السن والعجزة .. فهو لا يؤمن كل مستلزمات الحياة ، وتفتقر المعونة لكثير من متطلبات الرعاية الأخرى التي لا يستطيع كبار السن الحصول عليها إلا بسعيهم وطلبهم لها من مراكز توزيع الضمان الاجتماعي .

ومن خلال تواجدي في أوكرانيا قد شاهدت الحالات الكثيرة من عمليات البحث عن المفقودين -الأطفال خصوصاً- ، وهي مشكلة في غاية الخطورة في ظل تنامي مستويات الجريمة خلال الـ 10 سنوات الأخيرة ، لقد أصبح من الأمر العادي أن ترى ذوي المفقودين وهم يحملون صور أبنائهم بيافطات تحتوي بيانات عنهم وأماكن فقدهم ، وبالعودة لجوانب استشراء الفقر لدى طبقات الشعب الأوكراني المتوسطة فقد هالني أعداد المتسولين على مستوى مدن أوكرانيا فقد زرت أكثر من 9 مدن أوكرانيّة إلا أن المتسولين لم يفارقوا أماكن التجمعات العامة والمحطات والأسواق ومفترقات الطرق الرئيسية في جميعها ، وهذا بحد ذاته ربما يشكل تحدٍّ آخر يعوّق إبراز أوكرانيا كبلد أوروبية ذات مستقبل واعد كما يقآل .



-----------------------------------------------

(*) أوكرانيا : دولة تقع شرق أوروبا ، يحدها (روسيا -بولندا-رومانيا-سلوفاكيا-المجر-مولدافيا) ، عدد سكانها 45 مليون نسمة ، استقلت عن الاتحاد السوفيتي الاسبق عام 1991 م ، العملة : هريفنة ، اللغة : الأوكرانية والروسية ، العاصمة : كييف ، المساحة : 600 ألف كم مربع ، الدين السائد : المسيحية الأرثوذكسية الشرقية ، ورثت عن الاتحاد السوفيتي ثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم لكنها تخلّت عنها ووقعت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وحالياً يمثل الجيش الأوكراني ثاني أكبر قوة عسكرية في أوروبا بعد روسيا ، وتقع في أوكرانيا أكبر محطة لتوليد الطاقة النووية في أوروبا ، تحتل أوكرانيا المركز الثامن عالمياً من حيث عدد السياح ، وتمتلك أوكرانيا أحد أدنى معدلات الخصوبة في العالم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق