أحمد يونس - أوكرانيا
أثارت خطوة حكومة كوردستان العراق بتنظيم استفتاء أحادي الجانب لتقرير المصير غضب وانتقاد الكثيرين، سواء من الداخل العراقي وحتى من الجيران العرب والترك والفرس بل والمجتمع الدولي.
وما بعث الوجع في قلوب الملايين هو تشدق القادة الأكراد وفخرهم بمتانة العلاقة التي تربط الإقليم بدولة الإحتلال الإسرائيلي، ومما لا يخفى على أحد نضال وكفاح الشعب الكوردي على مر العصور في سبيل نيل حقوقه القومية واللغوية والاجتماعية الخاصة، إلا أن الحقيقة المرة بوقوف الكيان الصهيوني خلف تشجيع روح الانفصال كشف عن المأزق الكبير الذي وضع الكورد أنفسهم فيه.
كيف لشعب عاش بيننا لمئات السنين برغم ما تجاذبها من مد وجَزْر، أن تنحرف بوصلته النضالية نحو الاستنجاد بدولة الإجرام والعصابات الإرهابية، كيف ارتضى الكورد أن يقوده قادته نحو نسج علاقات الود مع قتلة الأطفال ؟ بل كيف بسهولة أن تتغير قناعات وعقيدة الكورد في سنوات قليلة ليواجهوا جيرانهم واخوتهم في الوطن والجغرافيا ؟ أيعقل أن يرمي الكورد مئات السنين من الألفة والعيش المشترك عرض الحائط ؟ في سبيل امتيازات اقتصادية وشخصية ضيقة، ويعرف المواطن الكوردي أنها لن تعود بالنفع المباشر عليه، بل ربما توزع الثروات والأموال التي وعد بها الأكراد على قادة الأحزاب والتشكيلات العسكرية لضمان ولاءها المطلق للممولين الغربيين والصهاينة.
برغم من ضجر حكومة كوردستان العراق من تصرفات حكومة بغداد إلا أنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تتخذ الأمور ذلك المنحى الكارثي، إن للكورد روابط وعلاقات مشتركة مع العراق لا يمكن لسبب أو لآخر التحلل منها والتخلي عنها بُغية مكاسب شخصية ضيقة لقادة الكورد الطامعين بالانفصال بتحريض اسرائيلي جلي للعيان.
علاوة على ذلك فإن القارئ للتركيبة الكوردية في أقطار مثل: سوريا، تركيا، إيران، يدرك تماماً وضوح الفوارق الأيديولوجية والفكرية والسياسية بينهم، فعلى سبيل المثال؛ فإن كورد سوريا لهم آمالهم الخاصة ولكن بكل تأكيد لا يمكنهم بناء كيانهم الذاتي كما هو الحال في أربيل، كما أن البعد الجغرافي بينهما يرجح هذا الطرح، أما في إيران فإن الكورد هناك لا يتمتعون بأي نشاط سياسي يمكن التعويل عليه، لجانب نشاط الدولة البوليسي في كبح جماح الكورد يجعل طموح كوردستان الكبرى من الخيال، أما تركيا فقد قطعت الطريق أمام ثورة داخلية عبر إجبار الأكراد على الدخول في المشروع السياسي والحزبي، بينما تنشط أجهزة الدولة الأمنية منها في تكثيف جهودها في مناطق شرق وجنوب شرق البلاد ضد أي نزعة قومية كوردية ربما تهدد وحدة الدولة التركية.
نستنتج أن النشاط الكوردي في كوردستان العراق وبفضل دعم إسرائيلي لا محدود لتعزيز النزعة الانفصالية خلق هذه الأزمة الغير مسبوقة في المنطقة، وكما لاحظنا ردة فعل بغداد قبل أيام بتسيير الجيش والحشد نحو كركوك ينذر بقرب مواجهة أراها محتومة، لا سيما وأن بغداد تراه تهديداً خطيراً لمكانتها الاقتصادية في أوبك.
ربما على الشعب الكوردي أن يراجع خياراته، وأن يبتعد عن تحالفاته المنبوذة وسط جيرانه، فمطالبه وقضيته العادلة لا تسترد بالانتقام والخيانة وزرع الفوضى والنزعات الانفصالية، وكما عاش الكورد قبل مآسيه في سلام وتعايش وأمان، عليه أن يفكر بتروي وهدوء في مستقبله الذي يستحيل بناءه بمعزل عن محيطه، بعيداً عن صنع كرة لهب جديدة لا تنطفئ بسهولة في منطقة مليئة بالفوضى والنار.
وكما أن للأكراد دعوة للهدوء والمراجعة، فهي دعوة أخرى لحكومات الجوار بإشراك الكورد في العملية السياسية وإعطاءهم حقهم في اللغة القومية والتعليم وحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، وإنه ليس بمقدور طرف واحد أن يقود الأمور بمعزل عن باقي طوائف ومكونات المجتمع، فعصر الإقصاء والعزل السياسي والتهميش ذهب بلا رجعة والثورات اليوم خير دليل على قدرة الشعوب في التغيير وقلب المعادلات.