2017/05/22

ماذا فعلتَ بعد خيبتك الأولى؟

بقلمي // 

علني أكتب بعد وقت طويل الآن، لكن أن تكتب متأخراً خير من ألا تفعل، تماماً كما تجيئ الأحلام، متأخرة دائماً لكنها حتماً تأتي، يختلف هنا قليلاً وجه المقارنة، تكتب بإرادتك اليوم .. ثم يصفعك حلمك على ذات غرّة، فاللحظة التي تكون فيها قد اضطجرت من هول الفجوة الزمانية التي وجدت روحك بها، يتراءى أمامك مستقبل السراب، كنتٙ على بعد خطوة من بلوغه، إلا أنك خِبتْ.

ها أنا أكتب الآن وقد جاوزتُ تسعمائة خيبة، كنتُ أتبعتهن بخمسمائة أخرى، لك أن تتصور معي شكلهن، أبالغ لو قلتُ لك أنهن ألف وأربعمائة كذبة، كذبتهن على نفسي، بل أقسم أنهن سرقن مني لطفي وعافيتي، أذهبنني بعيداً عني، وأذعنت للاشيء، وا أسفاه عليّ .. أيقنت بوقت متأخرٍ أنه لا شيء.

كثيراً ما ساءلتُني، ماذا فعلت بعد خيبتك تلك ؟ وأكثر ما كنتُ أدّعي النوم هرباً من مصارحتني، وأكثرُ ما فعلتُه الصمت في حضرة الخيبة، كيف أصبحتُ الغريب عني، وكيف كنتُ الشريد والهارب والطريد، كم تحاشيتُ قوتي وانحدرت عميقاً قاع السِّلم، وكم شُتمت لفٙرط ما لدي من طيبة، ماذا فعلت ؟

يا صاحبي الذي كنتٙ، فعلتُ كثيراً خلال الأربعمائة خيبة الماضية دونك، بكيتك فيهن جميعاً، وتهت بك في نصفهن، وغلبني الشوق لك في مائة، وكتبتك في خمسين، ولعنـتك واحدة. قرأت عنك غداة كل نهار، وبينما أنا كذلك كنتٙ تخرج لي بين السطور، تقتحمّٙ علي خشوعي، تلعثمني حروفك بين بحر الكلمات، هنا سين هنا ياء هنا ألفٌ .. هنا أنت، لا بل هناك، كنتُ أفر منك لأتحاشى السقوط فيك .. لكنني أخشى أني فعلت.

إذا كنت أهرب منكِ .. إليكِ ** فقولي بربكِ.. أين المفر؟!

فعلتُ أنني كل صباح أستمعك، وأُملئ رأسي بحرارة فقدك، فعلتُ أنني وللصدفة القذرة كل رواية أقرأها تخبرني عنك، فعلتُ أنّني خدعتك عندما قلت لا أذوب في مقلتيك، عندما كنت حراً في وجنتيك، عندما عشت بك، وبحضورنا.

اذا هجرتَ فمن لي ... ومن يجمّل كلّي 

ومن لروحي وراحي ... يا أكثري وأقلّي 
أَحَبَّكَ البعض منّي ... فقد ذهبت بكلّي 
يا كلّ كلّي فكنْ لي ... إنْ لم تكن لي فمن لي 
يا كل كلّي و أهلي ... عند انقطاعي وذلّي 
ما لي سوى الروح خذها ... والروح جهد المقلِّ


مؤكد أنك تقرأ هذه السطور في ذكرى الأربعمائة غدرة بعد الألف، وتضحك في قرارة نفسك،  أراك تماماً تشد أنفاسك من أن تبتسم، تقرأها حرفاً حرفاً وتزنها كلمة بعد كلمة، وأدرك أنك تٙحجِمٙ عني، بالمناسبة أنني كذلك أيضاً، ولكن ما على قدرنا أن يعلمه أن ذلك المستقبل الهش الذي ينتظرنا سألطخه بك، وأن قدري المعتم لن يبرأ حتى ينير بدونك، وإن ما زلت تلاحق سماع جواب سؤالك الكبير ..

"... لا شيء، دخلت لخيبتي الثانية بكامل إرادتي"

اعلم يا روحي المعلّقة، أنّني اجتزت صحراءك المقفرة بعد وادي الموت، ودست على مئات الجثث المتعفنة في رحلتك التي نعلم، كما أبشِّرك أن محاولاتك المتتابعة نحو تقمص الأدوار لن تنيلك الغفران، شيء وحيد فقط ينْجي هفوتنا معاً، نلتحق بقطار بعيداً فنغفر خطايانا ونوقفه في الأراضي المنخفضة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق