2018/06/14

لا ترحل سريعاً يا عيدُ عن "غزة"



كتابة : أحمد يونس

بأيِّ حالٍ عدت يا عيدُ، هل عودتك تحمل الفرح لقلوب أرهقها الفَقد، أخبرني أيها العيد ماذا تحمل لنا من أخبار؟ هل سيفرح الأطفال بكعك العيد ولبس العيد وعيديٍة ممن يحبون؟ هل ستتباهى أمهاتنا بالمعمول الذي عهدن على إعداده؟ أخبرني ما بالك صامتاً !

أرجوك أيها العيد حينما تطرق باب غزة لا تغادر باكرًا، امسح دموع اليتامى، احضن ما تبقى من شتاتِهم ولا تذكّرهم بأنك ستُغادر، رافق الشيوخ المحملين بالحكايات في جولة بين بقايا وطنهم، سيحدِّثونك عن أمنياتهم في الصلاة بالقدس وسجدة بباحات الأقصى، ستترجم عيونهم سنوات الحصار والفقر والحرب، اصغِ إليهم جيداً فقلوبهم طاهرة وحكاياتهم صادقة وإن استطعت دوِّنها في مجلدات الشرف حتى يقرأ العرب عن الرجولة، ثم احمل باقة من الورود إلى سيدات يرتدين أثوابهن التقليدية ستجدهن يتشبثن بك رغم ما يعتصرهن من ألم، سيحكين لك الكثير عن الصبر، رافقهن إلى المقبرة ففلذات أكبادهن تحت الثرى تعانق أرواحهم نقاء السماء، سيروين لك حلم الشهداء البريء في حياة شرف وكرامة، نعم أيها العيد.. النساء في غزة جعلن من الفقد سلاحًا يسقي عطشهن إلى جنة اسمها "فلسطين".

لا تُغادر باكراً.. عليك بواجب العزاء، فغزة الجريحة فقدت في رمضان 127 شهيداً، تحدثَ عنهم كل العالم بسلميتهم وبسالتهم وقوة حقهم، أخبرهم يا عيد حلم ياسر مرتجى بالتحليق، وحلم فادي وإبراهيم بأطرافٍ صناعية، وحلم عُمر سمُّور (أول شهيد في مسيرات العودة الكبرى) بزراعة وحصاد أرضه بـ حرية، أخبرهم عن عزَّام عويضة ذلك الطفل الصغير الذي عبَّر بطائرته الورقية البسيطة عن حبه وشغفه، أخبر عن أحمد الصحفي المجتهد وعن رزان التي عرفها العالم بأسره برداءها الأبيض وبطاقتها التعريفية الملطخة بدماء من أسعفتهم، وأخبرهم عن شجاعة الطفل هيثم الجمل وهو يحمل الإطارات المطاطية على شرق غزة لإخوته الشهداء الأحياء،  أخبرهم يا عيدُ أن جل ما تمناه هؤلاء وغيرهم كان صلاة في القدس أو إفطارًا على أبوابها.


أي عيد بعد هواك؟! ** كان العيد بيوم لقاك
حتى لو تنساه فإني ** لم يُخلق قلبي لينساك!
أيُّ جُرح صاب فؤادي؟! ** ولمن بعد الهَجر أنادي؟
فأنت حدودي .. وأنت بلادي ** والآن سيهجرني ضِياك!

ما إن يحل المساء حتى يخلد الجميع إلى ما يشغله، وما بين هذا وذاك قلوب طيبة لا ملجأ لها إلا الدعاء، هؤلاء من يقدمون لنا بعض العزاء ليس في رجال ارتقوا إلى السماء أحياء عند ربهم يرزقون، بل يُعزوننا في عُزلتنا حينما تخلى عنا العرب من أجل مصلحة صفقاتهم الاقتصادية وملفات تطبيعهم السياسية على حساب حقوقنا وأرضنا وقدسنا.

اطرق أبواب كل المنازل يا عيد، سترى ماذا فعل الحصار في أناس تعمل وتشقى دون أن تنال، ربما في هذا العيد الأسواق خاوية على عروشها فلا طعم ولا رائحة، لن تجد الأطفال يمرحون بثياب جديدة، لن تغرق جيوبهم بالحلوى ولا بالعيدية، لن ترى البالونات الملونة متطايرة في السماء.

سيُخفي الناس أحزانهم ويتوجهون إلى المساجد مهللين مكبرين، سترى أيها العيد كم يحبُّك أهل غزة، سيتبادلون التهاني والذكريات، سيصلي الفتى دون صديقه سيبكيه معاتبًا إياه على الرحيل وحيدًا، كيف له أن يستشهد دونه، حينها ستعرف بأننا لا نستجدي أمور الدنيا، فقد كبرنا على حبِّ الشهادة، رضِعناها من أول صرخة لنا في هذا الوجود، ولن نفطم منها حتى تعلو صرخات الله أكبر فلان ابن فلان شهيد.. 

127 شهيدًا ليس بالشيء الجديد، فتراب غزة غني بدماء الشباب، الشيوخ، الأطفال، والنساء.. هذه الأرض ولودة بالرجال والطاهرات، أرضنا يا عيد تُسقى بدماء الشهداء، تُنبت الشهداء، تُربي الشهداء هي كما قال عنها محمود درويش: (إن سألوك عن غزة قل لهم: بها شهيد، يُسعفه شهيد، ويصوِّره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد). لا ترحل أيها العيد باكرًا .. سلِّم على صغيرهم وكبيرهم واطبع قبلة على جبين صبرهم.

لك الله يا غزة.. سلامًا لشبابك الوفي، وكل الرحمة لشهدائك الأبرار، كل عيد وأنت نابضٌة بالحياة رغم رائحة الموت المنتشرة في زواياكِ، كل عيد والله أكبر ترتفع في مآذنك لا يحجب صداها صوت الحرب والرصاص، كل عيد وأجراس كنائسك ترفرف شامخة في سماء القيامة تخترق حُجُب الاحتلال.

عدتَ يا عيدُ وغزة لا تزال تنزف، يكيد لها الظالمون، ويخططون لسقوطها يومًا بعد يوم لكن الله شاء أن يرفعها، ستظل واقفة تروي قصص الخيانة وحكايا العار عندما كان الصامتون على حالها يشاهدون ما يجري ولا تسري فيهم إنسانية، ماتت ضمائرهم بعد أن غمرتها الأنانية وحب السلطة والمال، لا بأس .. ستبكي غزة لوحدها، وستُلبس أبناءها الأبيض موشَّحين بأعلام العودة وتزفّهم إلى الجنة. غزة.. كل عام وأنتِ أقوى يا حبيبتي. 

التدوينة بمواقع منصات التدوين العربية:
العربي الجديد

2018/05/27

اقتباسات.... العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب


ويقول العلاّمة ابن خلدون -عربي النسب والنشأة-، في مقدمته، تحت (فصل في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب):
(والسّبب في ذلك أنّهم أمّة وحشيّة؛ باستحكام عوائد التّوحّش وأسبابه فيهم، فصار
لهم خُلقاً وجِبلّة، وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم، وعدم الانقياد للسّياسة، وهذه الطّبيعة منافية للعمران، ومناقضة له، فغاية الأحوال العاديّة كلها عندهم الرّحلة والتّغلب - بمعنى التنقل - وذلك مناقض للسّكون الّذي به العمران، ومناف له، فالحجر مثلاً، إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافيّ القدر، فينقلونه من المباني، ويخرّبونها عليه، ويعدّونه لذلك، والخشب أيضاً، إ اّمن حاجتهم إليه ليعمّدوا -عمد السقف: دعائمه وركائزه- به خيامهم، ويتّخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخرّبون السّقف عليه، لذلك فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الّذي هو أصل العمران، هذا في حالهم على العموم*.

ويقول العلامة مؤسس علم الاجتماع تحت فصل آخر، وهو (فصل في أن العرب أبعد
الأمم عن سياسة الملك)، وذلك بعد أن علل لم العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك، وأن الدين هو الذي نظم حياة العرب، وجعل فيها روحاً وقانوناً، قال: كان رستم إذا رأى المسلمين يجتمعون للصّلاة، يقول: أكل عمر كبدي، يعلّم الكلاب الآداب، ثمّ إنّهم بعد ذلك انقطعت منهم عن الدّولة أجيال نبذوا الدّين، فنسوا السّياسة، ورجعوا إلى قفرهم، وجهلوا شأن عصبيّتهم مع أهل الدّولة، ببعدهم عن الانقياد، وإعطاء النّصفة، فتوحّشوا كما كانوا، ولم يبق لهم من اسم الملك إلا أنّهم من جنس الخلفاء، ومن جيلهم، ولمّا ذهب أمر الخلافة، انقطع الأمر جملة من أيديهم، وغلب عليهم العجم دونهم، وأقاموا في بادية قفارهم، لا يعرفون الملك، ولا سياسته، بل قد يجهل كثير منهم، أنّهم قد كان لهم ملك في القديم، وما كان في القديم لأحد من الأمم في الخليقة، ما كان لأجيالهم من الملك، ودول عاد، وثمود، والعمالقة، وحمير والتّبابعة شاهدة بذلك، ثمّ دولة مضر في الإسلام بني أميّة وبني العبّاس، لكن بعد عهدهم بالسّياسة لمّا نسوا الدّين، فرجعوا إلى أصلهم من البداوة، وقد يحصل لهم في بعض الأحيان، غلب على الدّول المستضعفة، كما في المغرب لهذا العهد، فلا تكون غايته إلا تخريب ما يستولون عليه من العمران، كما قدّمناه، قال تعالى: {وَالله يؤْتِي مُلْكَهُ من يَشاءُ}. (البقرة: 247)

(*) مقدمة ابن خلدون، ص: 149


+ المصدر: بتصرف من مقالة د. حمزة ذيب مصطفى "هل يختلف عرب اليوم عن عرب الأمس؟" - مجلة الإسراء عدد140

لتحميل كتاب مقدمة ابن خلدون : اضغط هـــنـــا

2018/05/23

هل حققت «روسيا» أحلام العظمة ؟ كيف؟

فلاديمير بوتين (الرئيس الروسي)

كتابة: أحمد يونس

لا يخفى علينا أن المنظومات الديكتاتورية في المنطقة العربية استمرت بدعم لوجيستي، إيديولوجي، وتعاون عسكري، تلاها كثيراً وأد أي حركات ربما تؤول إلى تهديد وجودي للنظام الحاكم ودولة الحزب الإله.

هنا سنتكلم عن دور روسيا الاتحادية التي لا تزال تعمل على تحقيق حلمها الإمبراطوري بتوسيع نفوذها ليس بحرب باردة أخرجتها عام 1991 من دائرة الثنائية القطبية والتنافس على السيادة العالمية مع الولايات المتحدة الأمريكية، إنما بمساندتها للأنظمة الديكتاتورية ووقوفها ضد حق الشعوب المطالِبة بحريتها، هذا الأمر الذي أضعف من موقفها لدى الرأي العام العربي الذي خرج بحماس إلى الشارع مأخوذاً بالثورة وتحقيق الديمقراطية، لكن ذلك لا يعتبر العائق الأكبر أمام المصالح الروسية، بل الخوف من تفاقم أوضاعها الداخلية نتيجة تدني مستوى المعيشة وانتشار الفقر داخل المجتمع الروسي، ويعتبر ذلك أحد الأسباب التي دفعت بها إلى قيادة حملة سباق التسلح والترويج لمنتوجاتها العسكرية في منطقة تعيش حالة مؤرِّقة من الفوضى والخوف اللذان خلفهما الشتاء الدموي في عديد الدول العربية (2010-2011) وإلى اليوم.

والحديث عن المنطقة العربية يفتح المجال للبحث فيما يمكن أن تفعله روسيا من أجل الوصول إلى أهدافها ويشمل ذلك بناء تحالفات مع الاقتصادات الصاعدة أو التنازل عن العداءات التاريخية وتبني نهج مغاير يبعث بتوازنات جديدة، وذلك ما يمكن إيجازه في النقاط التالية:

أولاً: بوتين-ترامب عداء أم تحالف شيطاني

استغرب المجتمع الدولي من دعم بوتين لترامب وتهنئته بفوزه بالانتخابات الرئاسية وفُتح المجال في ذلك الحين للحديث عن تحالف أمريكي روسي يضع حداً للخلافات التاريخية ويضع آفاقاً لعلاقات وشراكات تبعث بالاستقرار، خاصة الحاصل في سوريا في ظل التهديد المتزايد لداعش، لكن الهجوم الكيميائي الذي قام به بشار الأسد على ريف إدلب والذي أودى بحياة الكثيرين أرجع العداء الروسي الأمريكي من جديد ووجهت الاتهامات إلى روسيا الداعمة لانتهاكات حقوق الإنسان فما قام به نظام الأسد يعتبر ارهاباً حقيقياً، هذه الإطلالة على أحداث سابقة تضعنا أمام خيارين:

1.  أنّها أحداث مخطط لها من قبل الدولتين ونظام حزب البعث، أي مجرد لعبة بيدهما من أجل تفتيت المنطقة، وعلى هذا تقوم الحرب في سوريا وتقوم على إثرها صراعات جديدة تسمح لإسرائيل بالتغلغل أكثر في الأراضي العربية، فالجيش السوري قد تم إنهاكه ولم يعد بقوة وجاهزية مادية ومعنوية تسمح له بمجابهة إسرائيل، وبالتالي التقليل من نفقاتها العسكرية التي تؤثر سلباً على اقتصادها، كما أن ما جرى دفع بحركة "حماس" إلى مغادرة الأراضي السورية لأنها استأثرت بالنأي عن نفسها في الحرب المشتعلة، وبهذا نجحت إسرائيل بحلف ثلاثي شيطاني في ضرب بنية المقاومة وإشغال الخطر الوجودي من الشمال الشرقي ولو جزئياً.

2.  أنّ الحرب المدمرة في سوريا كشفت اختلاف المصالح بين أمريكا وروسيا، إذ جعلت من هذه الأخيرة أكبر نظام ديكتاتوري يمتلك أسلحة مدمرة تهدد أمن الشعوب العربية، من خلال دعمها لاستمرار الحرب وتغاضيها عن الاستعمال غير المقبول للأسلحة "المحرمة دولياً"، في حين أن الولايات المتحدة ظهرت بثوب المحرر والمخلّص الذي لا يزال على وعوده بنشر الديمقراطية ومساندة الشعوب في مطالبها بالحرية والعدالة الاجتماعية، بدعم الثورة تارة وخلق عداوات بين المعارضين تارة أخرى، وتعزيز الوجود الإسرائيلي المستفيد الأول والأخير مما يجري.

ثانياً: روسيا وزعامة سباق التسلح في المنطقة 

هناك توجه عربي –سعودي، مصري وجزائري- نحو عقد صفقات أسلحة بمليارات الدولارات مع روسيا، الأمر الذي يفتح عدة تساؤلات: هل فقدت روسيا سمعتها في السنوات الأخيرة؟ 

استغلت روسيا جنون العظمة، الذي تعاني منه عديد الأنظمة العربية التي تسعى للسيطرة على الزعامة ولعب دور موازي للقوى الكبرى في العالم، الأمر الذي يبرر توجهها لاقتناء السلاح الروسي وانفاق بلايين الدولارات على القطاع العسكري على حساب تنمية العديد من القطاعات، فالهاجس الأمني لم يشغل الجار "الإسرائيلي" فقط، بل شمل الدول التي مُنيت لتوها بخسائر كبيرة بفعل الربيع العربي إلى جانب الإرهاب –كما تدَّعي- التحدي الأول الذي رأت ضرورة مواجهته بأي وسيلة كانت.

كلّ هذا وذاك أكد فرضية "أنّ الإرهاب صناعة غربية"، فهو الفزاعة التي خدمت اقتصاديات الدول الكبرى، كما جعل المنطقة العربية بمثابة الأرض الخصبة لحقل التجارب القذرة، بالتالي كانت هذه فرصة روسيا الذهبية التي انتظرتها لسنوات للتوغل وسط المنطقة العربية بشكل مباشر، وهذا ما وفَّره الأسد بقصد أو بغير قصد، وها هي روسيا تعود إلى واجهة المشهد الدولي في صورة الملاك الوديع والأب الحنون، بغض النظر عن تداعيات أعمالها العسكرية على الرأي العام العربي وحتى لو فقدت سمعتها على مستوى الرأي العام، فإن صناع القرار في الكرملين يعولون كثيراً على المنظومة الإعلامية المضادة "الضخمة" في تحسين صورة أدائها أمام العالم.

روسيا اليوم تلعب على المكشوف، إذ تدعم أي نظام يخدم مصالحها ولا تُعر اهتماماً إن كان مرفوضاً شعبياً أو نظاماً يتسم بشيء من الديمقراطية (مع العلم بالطبع أن منطقتنا تخلو من الديموقراطيات الحقيقية)، ولا شيء سيمنع تمددها ففي العلاقات الدولية البقاء دائماً للأقوى وكما قال نيكولا مكيافيلي أن الغاية تبرر الوسيلة، وبما أنّ أنظمتنا العربية ديكتاتورية الجذور فإنّ التعامل معها بالمثل يشكل صفقة ناجحة في ظل موجة "التطرف والإرهاب" السائدة.


التدوينة عبر منصات عربية أخرى :


ساسة بوست
عربي بوست
العربي الجديد

2018/05/12

"الديمقراطية" سلاح السلطة وأفيون الشعوب


كتابة: أحمد يونس 
الديمقراطية هي ثقافة المجتمعات التي تمتلك الحرية في فعل كل شيء متى ما شاءت في أي وقت وتحت أي ظرف وهذا معنى بسيط جدا بعيد عن المفهوم الأكاديمي الذي دائما ما يربطها بحكم الشعب ويتغلغل إلى غاية حقوق الانسان، لكن هل الديمقراطية أسلوب تعتمده الدول من أجل ترسيخ الوعي ونشر ثقافة احترام الآخر؟ أم هو غاية تأخذ بكل الوسائل من أجل تحقيق عكس ما تحمله من معاني؟

والمعنى العكسي هنا يأخذنا للحديث عن الصراع الذي يدور باسم السياسة بين مختلف الفئات الواعية وغير الواعية، بين النخب المثقفة والعامة، بين مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، وبين هرم السلطة ومؤسساتها الرسمية...  
هذه السلطة التي تلجأ إلى خطاب المدنية والاحتكام إلى جوهر الدمقراطية المتمثل في رضا الشعب ونبذ الأخذ بشرعيتها عن طريق الاستبداد، لكن ما وراء كل ذلك حقيقة واحدة هي الحفاظ على الوضع القائم بأي وسيلة كانت.

هذه الوسيلة قد تأخذ الطابع العسكري المعروف في دول كثيرة، لكن لماذا يا ترى نربط الاستبداد بالمؤسسة العسكرية التي تلجأ إلى العنف وسفك الدماء في سبيل غلق الأفواه التي صدَّقت حقيقة وجود ديمقراطية بمعناها المثالي البعيد كل البعد عن الواقع، فما تقوم عليه من مبادئ ما هو إلا طرح خدم القوى الكبرى في حقبة ماضية سهّلت لها عملية الغزو تحت ذريعة الحفاظ على كرامة الإنسان ظاهرا فقط، لكنها أفشت الفتنة وحرَّكت الطائفية، كما تركت المجال للمرتزقة من أجل الاستيلاء على مقاليد الحكم.

أي أنه من أجل النجاح في نشر القيم الديمقراطية يجب اللجوء إلى كافة أساليب الاستبداد، ولا بأس من بعض الانتهاكات في سبيل الحفاظ على الاستقرار، وكل ذلك يأتي بعد تضييق الخناق بـ "المشروطية".. وفرض الحصار، يليها مباشرة الاستهداف وانتهاك سيادة الدول، ففي الوقت الذي تحتاج فيه المجتمعات إلى تطبيق العدالة الاجتماعية، تعمل الدول الحاضنة للقيم الحضارية السامية إلى دعم مؤسسات المجتمع المدني الخادمة لهرم السلطة، لكنها تتداعى بالاستماع إلى هموم الشعوب التي رغم خسارتها المادية والمعنوية، لا تزال تؤمن بأن الحرية تُعطى ولا تؤخذ.

قد تنجح الجيوش في بناء الدول لكن لا يمكننا الحكم عليها في فترة وجيزة أنها نجحت، لكن يمكن الكشف عن فشلها حينما تلجأ إلى الاعتقال غير المبرر، وتكثيف حالة الطوارئ، ما يدل على فقدان القدرة على التحكم في الأوضاع، فهو رد فعل عن الفشل في إيجاد حلول للمشاكل المجتمعية المنتشرة، وفي الحقيقة الثكنات العسكرية في بلداننا العربية مثلا بمثابة قبور للحرية وهي لا تختلف عن المؤسسات المدنية الأخرى التي تعمل بكل الوسائل على تشتيت ذهن الشعوب ومحاباة الدولة، وحينما تتفاقم الأمور تلجأ إلى القوة لحل الأزمات، ما معناه أن المدني والعسكري في الوطن العربي واحد لا يتجزأ ذلك أن الأول يبرر للثاني جرائمه.

لكن ما الذي يدفع بالحكام إلى الاستبداد؟ والسلطة في أيديهم بينما الشعب لا يمتلك القدرة على تغييرها أو الوصول إليها، صحيح أنه يثور وينقلب، لكنّه في النهاية يخضع للهدوء ويتقبل الوضع، لكن ما يستمر هو الصراع داخل السلطة، ما يضع عدة احتمالات منها بخجل هو أنّه توجد نخبة تسعى للإصلاح والبناء داخل هرم الدولة لكنها تصمت خوفاً على مكانتها و الرفاه الذي تعيشه أي بعض الإيجابية بعيداً عن التفكير في حقوق الشعب، أما الاحتمال الآخر فهو يدور حول الفئة الطامعة بالاستيلاء على المنصب لأجل النهب واستغلال المُقدَّرات حتى تتمكن من الحفاظ على مصالحها وأملاكها ورؤوس أموالها في الداخل كانت أو في الخارج، وبالتالي لا تتأثر درجة الرفاهية التي يتمتعون بها.

لكن الأمر يختلف قليلاً في إطارنا العربي، الذي حينما يصل فيه الحاكم إلى السلطة فإنه يتشبث بها حتى يسلم روحه لخالقه، وكأن هناك من يهدده ويفرض عليه المكوث، حتى لو حقّق ثروة هائلة من وراء وجوده، وسيتم التخلي عن خدماته حينما تنتهي المصلحة المدروس والمخطط لها جيداً من طرف قوى لا هَمَّ لها في حرية وكرامة شعوبنا التي ترى فيها رمزاً للتخلف والدونية، وتمارس في حقها شتى أنواع العنصرية.

بالتالي فإنّ مصطلح الديمقراطية "العقيم" أضحى من المبادئ المُروَّج لها، إذ يقع بين عنصري الاستبداد والانتهاك، أي أنّها الملاذ الأول والأخير للشعوب المتخلفة الضعيفة التي لا تمتلك لقمة العيش فكيف لها التفكير لأبعد ما تحلم به، أما عن النخب التي تنشأ في هذه البيئة وتسعى إلى نشر الوعي بكل ضمير إنساني فإما أن تُعتَقل ويتم ترويعها وإجهاض نجاحاتها، أو تُجبر على الهجرة إلى دول أوروبية وأمريكية، أو تختار الصمت والابتعاد عن الحياة العامة كخيار مُر، أجبر عليه بلا يد أو حيلة.

"الديمقراطية" مخدّر تستعمله السلطة لإبقاء عقول شعوبها خامدة، وحينما تنفجر مطالبة بالتغيير تتدخل القوى التي نجحت من قبل في تخدير رؤساء وزعماء الدول العربية -إن أردنا التعبير بإيجاز ووضوح-، أما من ناحية الشرعية فهي في أغلب الحالات تؤخذ بالسلاح، وعليه تبقى الشعوب في حالة خدر وحذر دائمين، فليس ثمة مؤشر يدل على أنّ ما يحدث الآن هو التطبيق الحرفي للمبادئ الديمقراطية الحقيقية، وإنما استعمال لفظي للمفهوم بأبعادٍ استراتيجيةٍ وبتخطيطٍ يضع بدائلَ عديدةٍ تستدعي في حالات كثيرة التهديد أو التحريض على الفوضى وتأجيج التوترات من أجل الاستمرار في بسط النفوذ باسم السلطة وتحت قوة السلاح وتحت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان ودمقرطة الأنظمة.

التدوينة عبر المنصات العربية هنا :
ساسة بوست

2018/04/30

لماذا غربتنا موحشة.. أم قل لماذا تقتلنا؟



كتابة: أحمد يونس 
تلك الأجساد التي حملتنا وتحملّت ثـقل الشوق فينا، قد أُرهقت في منفاها الشبيه بسجن أُلقيَت فيه ظُلماً، شهقتها تُسمع ها هناك، في منفى آخر لجسد آخر متلهف للقاء يُخفف وجعاً بات ملموساً، يتحايل على صاحبه حتى يرميه في غربة هو في غنىً عنها، كأنه ما قال فيه ابن عبد ربه الأندلسي:
الْجِسْمُ في بَلَدٍ والرُّوْحُ في بَلَدِ *** يا وَحْشةَ الرُّوْحِ، بَلْ يا غُرْبَةَ الْجَسَدِ

هذه الحياة لا تأخذ منا حتى تعطينا، هي تمهيد لكل شيء فقط، قد تبدأ بألم فيكون درساً واقعياً جداً، وقد تبدأ بفرحة تتلبّسنا كغيمة تحمل غيثاً يسعف قلوباً قاحلة تأبى أن تعيش، هي اختلافات في البدايات، لكن القادم لا يشبه شيئاً، لابد أن يكون كذلك حتى نستطيع أن نتنفس من جديد، حتى نُجرِّب الانكسار، فمن كانت حياته خالية من الانتكاسات لن يتعلم شيئاً، لن ينهض للبحث عمّا ينقصْه، سيبقى ثابتاً مكانه يشتكي تقلبات الزمن، هذا الأخير الذي يمضي تاركاً إياه كجسد فارغ تنهشه ذئاب الذكرى.

ستبقى أجسادنا عرجاء ما دامت أرواحنا منكسرة، خالية من معاني الحياة "كالحب"، هذه الكلمة التي تحمل كل معاني الكون، حاء وباء.. نعم اختصارات ننصهر فيها فنحيا، لأننا وببساطة نهرع لا نبحث عما يشبهنا فما عشناه يكفينا دهراً آخر، بل نبحث عما يُكمِّلنا، عن وطنٍ يؤوي أرواحنا من تلك البعثرات المقيتة، فهي في حنين دائم لوطن آخر غير أجسادنا.
تلك التي نخالها غربة قد تجمعنا بحقيقـتـنا، تكسونا من برد الشوق، فنجد الروح التي تكشف الغطاء عن سعادتنا، وتستر عُري أجسادنا، تجبر كسر الأيام التي حبلت بكل معاني الحياة، إلا نحن أجهضتنا، ورمت بنا بليل في شارع خلفي مليء بالمشرِّدين، فبات أكبر طموح لنا الهرب ممن حجر علينا حريتنا، لم نولد بلا غاية.. وذاك الدفء الذي عشناه في رحم الحياة الأولى، سيسكننا في حياة ثانية تأخذ بيدينا نحو قلب يدق بنبضاتنا، لجسد نتكئ عليه في زحام تقلباتنا، دافئاً يضمّنا، لن نشتكي حينها من غُربة أوطان سنرجع إليها يوماً بحقائبَ من الذكريات، نرويها لأبناء وأحفاد من أصلابنا، نحن نركض نحو المنفى ليس إلا، وما إن نجد وطن الروح، تركَتنا أحلامنا الموحشة.

حتماً ستتقلص المسافات وتسوقنا إلى أصدقاءنا وصور طفولتنا، أولئك الشبيهين بقطع السكر، من لا تحلو الحياة إلا بذوبانهم فينا، سنجد بعضنا في لحظة شرود لافت، ولا ندري كيف سنتعرف عليهم، سيجتاحوننا بغتة، ولن يكون منا سوى فتح أذرعنا لتمتد على أبسطها، فأرواحنا متلهفة لذاك العناق، لتُدفن به أوجاعَ أجسادٍ أرهقها الانتظار حتى تعيش حياة كانت من قبل قزلاء.

حينها سنغادر الغربة بأوطانٍ تليق بأوطاننا، سنرجع إلى جذورنا مُزهرين، وسنسقي تراب أرضها بحب، ستتشابك أيدينا ونتمشّى في الحي الذي تركناه ذات رحيل بارداً يشكو حنينه لجدران وفيَّة، لا يزال عِطر طفولتنا عالقاً فيها، نعم.. لابد لنا من العودة، فذاك الحضن يأوي كل الانكسارات، ولن يبقى لنا من هذا المنفى سوى حكايات نرويها لجيلٍ آخر جوعان إلى أوطان بمثابة امتداد لأوطاننا، ولن نعرفها مادامت أجسادنا عارية من أرواح ستسكننا يوماً ونسكنها.

هكذا نحن.. دائماً ما نرسم خطوطاً ونضع قوانين قد تكون مُجحفة بحقنا في الحياة، لكن ما إن نتوغّل في عمق الأخذ والعطاء حتى ندرك بأن تقلّباتنا لم تكن إلا لحاجة في نفس كل إنسان، نكتشف صدفة بأن انعزالنا قد أرهق أجسادنا، وأننا مَن تمرَّدنا على طبيعتنا المليئة بكل الصور القاتمة وحتى الملونة.
والحقيقة أنه لا توجد غربة غير تلك التي نعيشها بعيداً عن أرواحٍ تُكمِّلنا، قد نكون دونها كأوطان حُرّة لكنها عابسة تبحث عن مُنتمين لها، يرتمون في أحضانها، تُعطيهم تراباً وبذوراً، ويبقى عليهم تقديم واجب الرعاية الكافية حتى تُزهر ذات ربيع، وكل ما دون ذلك منفى يأخذ من راحتنا الكثير، ينقش فينا تجاعيد لا تُـنصِفُ أعمارنا، تترهل ملامحنا الطفولية، نُطلّق مرح الحياة وتبقى أجسادنا وحيدة عارية رغم ثـقل ما نلبس من قماش.

هكذا سيحدث ما دمنا نسير نحو الصوت الذي يطلبنا، نرى الإشارات، نتْبعها لأنّنا بحاجة إلى أنفسنا حتى نعيش بسلام، يكفينا تجاهلاً لتلك النداءات، فنحن تائهين جداً، ولابدّ للجسد والروح أن يتعانقا يوماً، حينها سنتعرّف على الصوت القادم من وطن لم نعشه، لم نحتويه، لم يربت على كتفنا بعد، وها نحن في شوقٍ إليه.

روايات ذات صلة: 
على نحو غربة - عائشة محمد

رابط التدوينة من خلال منصات التدوين العربية:
مدونات الجزيرة
العربي الجديد
دنيا الوطن
حمرين نيوز

مقابلة مع RT Online بتاريخ 30 أبريل 2018





2018/02/17

انت لي _ من غيري


أنتِ لي ...

شئتِ ما شئتِ.. أنتِ لي 
قبلتِ رفضتِ.. أنتِ لي 
مَنْ غيري عَدَّ رمشك شعرة شعرة..
مَنْ غيري يموتُ أمامك من نظرة..
مَنْ غيري يعرفُ كم الملح في أكلك.. حتى مقاس رجلك ..
مَنْ غيري يملكُ محرمة مِن عشر سنين مسحتِ بها كحلك..
وَمَنْ غيري وَمَنْ غيري وَمَنْ غيري ... 


** رواية أنت لي للدكتورة منى المرشود pdf
للتحميل : اضغط هنا