أحمد يونس - فلسطين
لا تتسع الكلمات ولا العبارات لوصف ما تتساوق في تسويقه "الدراما
الخليجية" في رمضان هذا العام الممولة سعودياً وإماراتياً، عن ما يسمونه بيع الفلسطيني
لأرضه وإنكاره لجميل دول الخليج بمساعدته منذ نكبته، وأن القضية برمتها قد أزعجت آذاننا
واستنزفت مقدراتنا في صراع تكشف لنا فيما بعد أنهم ذيول الرومان وبقايا الغجر والأرمن
واليونانيين...الخ. بل لا يستح الإعلام الخليجي المعروف التوجيه والتمويل والأهداف،
من بث هذه السموم والأكاذيب والأساطير التي ليس لها مكان من التاريخ ولا الحقيقة، بل
ويصدقها الناس هنا وهناك ممن في قلوبهم مرض وضعف ووهن.
لك أن تتخيل عزيزي القارئ كيف أصبح الفلسطينيون عبئاً بشكل فظ على أولئك
القوم!؟ وكم أثقلوا عليهم في سباتهم ومرحهم ورغدهم، بل أن الفلسطينيون دوماً ينغصون
عليهم تمتعهم بعلاقات الأخوة والروابط الممتدة من قدم الزمان مع اليهود (الودعاء، الجميلين،
الطيبين).
يطل علينا رمضان 2020، وقد أفصح الفضاء الدرامي (الخليجي) عن سمه وعداءه
اللامحدود للفلسطينيين (مجموعة البشر متعددي الأعراق والانسال وبقايا الحقب الاستعمارية)
على حد ادعاء مسلسلي (خروج 7) و (أم هارون) اللذان يبثا عبر القناة السعودية المشهورة
عربياً (MBC).
لا عجب أن تتساوق هذه المشاريع الدرامية مع الرواية الصهيونية التوراتية
المزعومة، ولا دهشة إطلاقاً في عملية شيطنة الفلسطيني بكل السبل، ذلك أنه أول عربي
اكتشف خبث وخيانة وفساد تلك الأنظمة قبل غيره، بل وأنه كان على الدوام السباق لفضح
تخاذلهم عن نصرته ونصرة مقدساته وأرضه الطاهرة.
بشكل لا لبس فيه، يمكننا القول أن أي عمل درامي أو سياسي أو فني أو صحفي
أو غيره يكون الهدف منه التشكيك بعدالة ونزاهة وطهارة المظلمة التاريخية التي تعرض
لها الشعب الفلسطيني منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى بفرض الانتداب البريطاني (الاستعماري)
على فلسطين، وإلى دعم وتسليح العصابات الصهيونية حتى النكبة الفلسطينية ومأساة التهجير
القسري، واحتلال فلسطين التاريخية عام 1948م .. لهو عمل لا أخلاقي عديم الضمير والإنسانية
والقيم ومرفوض من كل إنسان شريف وحر لا يقبل الظلم.
ربما كان الأجدر بكل أولئك المروجين لفكرة أن الفلسطينيين مجرد شعب لا
يملك هوية وطنية وبلا تراث أو إرث حضاري، أو حتى ذهب بعضهم إلى الادعاء بعدم قدسية
تلك البلاد، وعدم أحقية أهلها وسكانها الذين سكنوها بشكل مباشر لأكثر من 500 سنة (على
الأقل) بشكل متصل تاريخياً وجغرافياً واجتماعياً..
كان الأجدر بهم أن يضعوا رؤوسهم في الرمال.. حتى لا تدوسهم أقدام التاريخ وحقائق الزمن
الماثلة بلا ريبة أمام أعين الدنيا.
تطل علينا مظلمة شعبي الصابر والمحتسب في ذكراها المُرَّة، وقد تكالب عليه
القريب والبعيد، العدو والصديق، وتقطعت به السبل في وحشة هذا العالم عديم الإنسانية،
المذلول بتحكم الرأسمالية والصهيونية فيه.
(72) عاماً وشعبي يعتصر الألم ويتجرع العلقم، منتظراً خلاصه ويوم حريته
وعودته (الحتمية)، وحسبه اليقين بالله ووقوفه فوق أرضه بصدره العاري في شموخ وعزة.
لا يختلف على حق شعبي في مقاومة وطرد ومواجهة (نظام الأبرتهايد الصهيوني)
إلا إنسان تجرد من إنسانيته وآدميته، وكفى لأم الشهيد الفخر أنها وهبت فلذات أكبادها
لفلسطين (التاريخ والوطن والهوية والإرث).
وفي الجهة المقابلة، كل الحب للياباني الذي آمن بفكرة النضال لأجل وهب
"الحرية" لشعب مظلوم تُسرق هويته وتُصادر أرضه ويقتل ويجرح كل يوم بلا هوادة
منذ 72 عاماً، وشكراً للعراقي الذي كانت تحبه السماء أن دُفن في "جنين"،
وشكراً للمصري الذي وقف بشموخ وإباء وسط الصحراء لأنه آمن بفكرة نبيلة وعدالة قضية،
وشكراً وشكراً وشكراً... لكل الأحرار من كل مكان الذين كانوا الأوفياء عندما تخاذل
المتخاذلون و فرَّ الضعفاء، كانوا أصحاب المبادئ في وجه كل مشاريع ومبادرات التصفية
والتسوية والاستسلام.
وأقول لا تخيفنا كل تلك المحاولات المشؤومة، فالشعوب الحرة لا تزال تتقد
بنار الحب والإيمان بفلسطين والقدس، تلهج ألسنتها بالدعاء وتبكي أفئدتها بألم على مسرى
الرسول الأكرم ومهد سيدنا المسيح (عليهما السلام)، ولا يسعني إلا أن أشد على أيدي الأحرار
في كل مكان، لا تقلقوا على فلسطين فأهلها أقوياء أقوياء، (لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم
وهم في رباط إلى يوم الدين).